قوة قهر الهوى لذة كبرى
لأبن جوزي
رأيت ميل النفس إلى الشهوات زائداً في المقدار حتى إنها إذا مالت مالت بالقلب والعقل والذهن، فلا يكاد المرء ينتفع بشيء من النصح. فصحت بها يوماً وقد مالت بكليتها إلى شهوة: ويحك ! قفي لحظة أكلمك كلمات ثم افعلي ما بدا لك. قالت: قل أسمع. قلت: قد تقرر قلة ميلك إلى المباحات من الشهوات، وأما جل ميلك فإلى المحرمات. وأما أكشف لك عن الأمرين، فربما رأيت الحلوين مرين. أما المباحات من الشهوات، فمطلقة لك ولكن طريقها صعب، لأن المال قد يعجز عنها، والكسب قد لا يحصل معظمها، والوقت الشريف يذهب بذلك. ثم شغل القلب بها وقت التحصيل، وفي حالة الحصول، وبحذر الفوات. ثم ينغصها من النقص ما لا يخفى على مميز، وإن كان مطعماً فالشبع يحدث آفات، وإن كان شخصاً فالملل، أو الفراق، أو سوء الخلق. ثم ألذ النكاح أكثره إيهاناً للبدن، إلى غير ذلك مما يطول شرحه. وأما المحرمات: فتشتمل على ما أشرنا إليه من المباحات وتزيد عليها بأنها آفة
العرض ومظنة عقاب الدنيا وفضيحتها، وهناك وعيد الآخرة، ثم الجزع كلما ذكرها التائب. وفي قوة قهر الهوى لذة تزيد على كل لذة. ألا ترين إلى كل مغلوب بالهوى كيف يكون ذليلاً ؟ لأنه قهر. بخلاف غالب الهوى فإنه يكون قوي القلب، عزيزاً لأنه قهر. فالحذر الحذر من رؤية المشتهى بعين الحسن، كما يرى اللص لذة أخذ المال من الحرز، ولا يرى بعين فكره القطع. وليفتح عين البصيرة لتأمل العواقب واستحالة اللذة نغصة، وانقلابها عن كونها لذة، إما لملل أو لغيره من الآفات، أو لانقطاعها بامتناع الحبيب. فتكون المعصية الأولى كلقمة تناولها جائع، فما ردت كلب الجوع، بل شهت الطعام. وليتذكر الإنسان لذة قهر الهوى مع تأمل فوائد الصبر عنه. فمن وفق لذلك كانت سلامته قريبة منه.
0 التعليقات:
إرسال تعليق