بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجه وعظيم سلطانه, والصلاة و السلام على أشرف المرسلين و لمن أتبعه بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
إن في هذا الدين شرائع و أحكام أنزلها رب الأرض و السموات فيها بيان للناس و تبصرة لأولي الألباب, من ضل عنها زل و خاب, ومن اتبعها فازة و نجى
.
قال تعالى :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٢١﴾} [النور:21]
لا شك إن الإستقامة في دين الله من أجل القربات وأسماها التي يطيب بها عيش الإنسان و الوصول لرضوان الله, وقد بين الله تعالى لنا في آياته إلى ما يزلفنا إلى الخيرات و إلى ما يدنينا إلى خطوات الشيطان و أثرها على حياة العبد.
فالإختلاط كان هو الداء الذي يزعزع المجتمعات و يزين لها الشهوات من كل جانب و قد حثنا الحق تبارك و تعالى في آياته البعد عن كل طريق يزين للعبد بإرتكاب الخطايا و الزلل, و البعد عن مواطن الشبهات, و منها إختلاط الرجل بالمرأة و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
(ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) [الراوي: أسامة بن زيد] [المحدث: البخاري] [صحيح].
ومن أضرار الإختلاط و هي كالآتي :
1-انتزاع ثوب الحياء بين الجنسين .
ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الحياء لا يأتي إلا بخير) ويشهد لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الصحابي وصفه قال: [كان أشد حياءً من العذراء في خدرها] و إن الحياء من أسمى مراتب الأخلاق و الخشية من الله تعالى .
2-خدش العفاف وما يعين عليه . ( للعفاف فضائل كثيرة ومن أهمها :
-العفة من سب الفلاح : قال الله تعالى :{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴿١﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿٢﴾ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿٣﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴿٤﴾وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴿٥﴾ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴿٦﴾ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴿٧﴾} قال ابن كثير (( أي و الذين حفظوا فروجهم من الحرام, فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا و لواط,ولا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم ولا شك أن هذا المعنى ينطبق على الرجال و النساء معا .
-العفة عنوان الصلاح : قال تعالى :{ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ } [النساء:34]
-العفة سبب في المغفرة {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًاوَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿٣٥﴾} [ أل عمران :35] فبين الله في هذه الآية حفظ الفرج و صيانته عن الحرام من أسباب المغفرة و الأجر العظيم يوم القيامة .
-العفة تلبية لنداء الرحمن قال تعالى {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْبَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِالتَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٣١﴾} [النور :31]
-العفة مفتاح الفرج : قال تعالى :{ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًاحَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ}[ النور:33]
-العفة مفتاح الجنة : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
((إذا صلت المرأة خمسها, و صامت شهرها, وحفظت فرجها, و أطاعت زوجها قيل لها أدخلي من أي أبواب الجنة شئت )) [ أخرجها بن حبان و صححه الألباني ]
3- إطلاق البصر(حيث هي كسهم تكسر الحواجز و القيود و تزيل الخشية من الله علام الغيوب و ذلك لما تورث من ذل لصاحبها و حب الشهوة و الإنقياد لها, قال رسول الله صلى الله عليه و سلم((إياكم والجلوس في الطرقات . قالوا : يا رسول الله ! مالنا بد من مجالسنا . نتحدث فيها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه . قالوا : وما حقه ؟ قال : غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمربالمعروف، والنهي عن المنكر ))
[الراوي: أبو سعيد الخدري] [المحدث: مسلم] [ صحيح ]
قال الشاعر :
كل الحوادث مبداها من النظر ** و معظم النار من مستصغر الشرر
كم من نظرة بلغت من قلب صاحبها ** كمبلغ السهم بين القوس والوتر
و العبد ما دام ذا طرف يقلبه ** في أعين العين موقوف على الخطر
يسرمقلته ما ضر مهجته ** لامرحبا بسرور عاد بالضرر
4- العشق ( هو السبيل الموصل لكل زلل و هم فكل عشق دون الله زائل فتؤدي إلى المهالاك و إلى الكفر كمن اتخذ معشوقه ندا , يحبه كحب الله, فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه؟ فيقدم العاشق رضاء معشوقه على رضا ربه و إنه البلاء العظيم .
و هذه بعض الأمثلة التي كان الإختلاط سببا لها و كان سبب رئيسي للهلاك في الأمم فيعين على ضعفها ووهنها و الإنشغال بما لا يرضي الله تعالى و الإعراض عن ذكره و عبادته, فكم هلكت أمم و قد أنزل الله عذابه لهم و أفنوا من الأرض و لم تبقى غير مساكنهم قال تعالى { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَابَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّـهِ مَالَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَاتَعْلَمُونَ ﴿٣٣﴾}[الأعراف:7]
فكل طريق يؤدي للفواحش و كان سبب للرزيلة و لقلةالحياء حرمه الله و نهى عنه, و كان لنا في القرآن قصص و عبرة لمن خشي الله تعالى وأعرض عن السوء قال تعالى :{ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَاللَّـهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴿٢٣﴾ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚإِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}[يوسف:24]
و نختتم بهذه الأية الكريم: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَالْمُحْسِنِينَ ﴿٩٠﴾}[يوسف:90] و جعلنا ممن يتبع الحديث أحسنه و آخر دعوانا الحمدلله رب العالمين